الجمعة، ٢ يناير ٢٠٠٩

رفح المصرية تتقاسم الأرض والهواء والرعب مع شقيقتها رفح الفلسطينية

عمرو سلامة يتفقد الحدود


مئذنة مسجد تتهدم.. جدران تتصدع.. زجاج منازل يتطاير تحت وطأة أصوات الانفجارات.. سكان ينزلون بأطفالهم إلى الشوارع خوفا من أن تنالهم قذيفة خاطئة من الطائرات الإسرائيلية..
هذه ليست أجواء الوضع في قطاع غزة، بل في مدينة رفح المصرية التي تتقاسم الأرض والهواء والرعب مع شقيقتها رفح الفلسطينية التي أصبح قصفها برنامجا يوميا لدى الاحتلال الإسرائيلي.
فخلال جولة بالمدينة عقب الضربات الإسرائيلية على الحدود المصرية الفلسطينية للمرة الثالثة لتدمير الأنفاق الواصلة بين "الرفحين" والتي كانت بمثابة ذراع عون تمتد من تحت الأرض لتصل ما انقطع فوقها.
بدت الشوارع في فوضى، فالسكان نزلوا إلى الشوارع مدفوعين بأصوات الانفجارات الهائلة ونظرهم شاخص إلى السماء يرقبون حركة الطائرات المحلقة قريبا من الحدود منذ السبت الماضي.
وعند أقرب منزل من بوابة صلاح الدين الحدودية، روى مالكه الحاج خميس الجمال ذكريات تقسيم رفح بعد اتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية عام 1978، وقال: إن "البيوت كانت متشابكة ومتجاورة حتى عندما أرادوا وضع حدود بيننا لم يجدوا مسافة لوضع الأسلاك الشائكة فوضعت في بدء الأمر فوق أسطح المنازل".
قصف ممتد
وبقدر التلاحم الجغرافي كان التلاحم في المعاناة، ورغم أن القذائف الإسرائيلية لم تسقط في الجزء المصري، يقول الحاج الجمال: "أكثر ما يصيبنا من الهجمات الإسرائيلية هي حالة الرعب التي تصيب الكبار قبل الصغار".
ويضيف: "ابني ساعة القصف ارتمى في حضني وكأنه يريد أن يخترق جسمي خوفا من صوت الصواريخ التي أدت إلى تكسير زجاج البيت.. دقائق القصف هذه تتحول إلى ساعات طويلة من الرعب والخوف قد لا تنتهي لاستمرار القصف في أوقات متقاربة".
وطلب الجمال من الابتعاد عن سور سطح المنزل الذي شاهدنا منه بوضوح آثار الدمار في الناحية الفلسطينية من رفح، خوفا من ضربة صاروخ ترتد شظاياها علينا.
أما الحاج أشرف سمير الذي يلاصق منزله أيضا الشريط الحدودي فقال إن زوجته اضطرت إلى الانتقال إلى منزل ابنها في عمق مدينة رفح خوفا من القصف الليلي بجوار المنزل.
ويضيف الحاج سمير الذي يتجاوز عمره ستة عقود: "رغم تعودنا على أصوات القصف منذ الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة فإننا لا نستطيع مقاومة الشعور بالرعب".
وكشف عن شرفة منزله التي غطاها بلوح من ورق الكارتون قائلا: "بدلت اليوم زجاج الشرفة بهذه الكارتونة من كثرة تعرضها للكسر.. نتحمل البرد أفضل من صوت الزجاج الذي يفزعنا في عز الليل".
وقطع حديث الرجل العجوز صوت طائرة تكاد تكون فوق المنزل، لكن عندما صعدنا معه إلى السطح رأيناها على الجانب الآخر من الحدود وصاروخا ينفصل منها ليكتب نهاية لحياة عشرات الأشخاص في أحد المنازل برفح الفلسطينية.
وتصاعد الدخان والغبار هناك، لكن معه أيضا تصاعد الخوف والألم هنا في الشطر المصري من رفح، فحالة من الرعب ارتسمت على وجوه الأطفال التي تركت مدارسها رغم اقتراب امتحانات نصف العام، كما تركت منازلها على الحدود وهرعت إلى قلب المدينة.
فادي الناصري طفل لم يتعد عمره 12 عاما، نزل مع عائلته إلى الشارع بعدما تطاير زجاج نوافذ بيته من صوت سقوط القذائف على الجانب الآخر من الحدود.
ويقول فادي : "الصواريخ الإسرائيلية كسرت زجاج بيتنا وشققت جدرانه فتركته جريا أنا وأمي خوفا من الموت".
ويضيف فادي، وعيناه ترتفعان كل برهة وأخرى إلى السماء، أن صديقه أحمد أصيب قبل يومين عندما كان يقف أمام بوابة منزله لحظة سقوط قذيفة قريبة من الحدود. وتقول المصادر الطبية الرسمية بمدينة رفح إنه لا توجد إصابات في الجانب المصري.
ومع حلول المساء، وأصداء أذان العشاء تصدح في المدينة توجه المواطنون إلى مسجد الإيمان، ثاني أكبر مساجد المدينة ليجدوه متعاطفا هو الآخر مع مساجد رفح الفلسطينية التي تحولت لأنقاض، تشققت جدارنه وتهدمت مئذنته من شدة الضربات الجوية الإسرائيلية غير البعيدة عنه.
استعدادات أهلية
ولا يتقاسم أهالي الرفحين الأرض والهواء فقط، بل إن كثيرا من العائلات لها امتداد على شطري الحدود بعلاقات نسب تجعل ما يحدث هناك يلقي بآثاره هنا.
وبدأ كثير من الأهالي في شراء وتخزين المواد الغذائية مع بداية العدوان الإسرائيلي، حيث يتوقعون أن يجتاح الفلسطينيون الحدود هربا من القصف الإسرائيلي بين لحظة وأخرى.
وأعد الكثير منهم بيوتهم لاستقبال الجرحى الفلسطينيين أو اللاجئين من القصف إذا تكرر فتح الحدود بين الجانبين كما حدث في يناير 2008.
وقال عدد من الأهالي إن العديد من التجار قاموا بتخزين عشرات الأطنان من السلع الغذائية، تحسبا لفتح الحدود.
ودعوا الرئيس المصري مبارك إلى المبادرة بفتح المعبر بشكل منظم لإدخال المعونات تلافيا لأي فوضى قد تحدث نتيجة اقتحام الحدود ودخول الفلسطينيين بشكل عشوائي.

ليست هناك تعليقات: