الاثنين، ١٤ يناير ٢٠٠٨

عُدْ إلى بلادك.. فهناك يعشش الإرهاب


في الوقت الذي نشهد فيه مُضي عامٍ آخر، متخم بالأحداث المفجعة والمآسي التي تتفطر لها القلوب، أحداث ومآسٍ كان المسلمون في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها الوقود الرئيس لها، في هذا الوقت يزور المنطقة العربية الرجل الذي يعتبر العامل الرئيس في نشوء هذه المآسي والفواجع التي عاشها العرب والمسلمون منذ عدة سنوات ولا يزالون يعيشونها.

تأتي زيارة الرئيس بوش للمنطقة في الوقت الذي بلغ فيه الظلم والطغيان الأمريكي تجاه سائر دول العالم الأخرى، وبصفة خاصة دول هذه المنطقة درجة لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل، وتسببت الإدارة الأمريكية الحالية في أزمات وكوارث لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

لقد كان بودنا أن يزور الرئيس بوش المنطقة وتتلقاه الشعوب بالود والترحاب بوصفه قائد الدولة الكبرى التي تعمل على ترسيخ أسباب الأمن والسلام في ربوع العالم! ولكن وللأسف الشديد لا نجد في تاريخ هذا الرجل طوال ثماني سنوات من حكمه إلا كل ما يندى له جبين الإنسانية من أعمال خارجة عن نطاق العدل والإنصاف.

بل ويؤسفنا أن نقول بأن "فخامته" أصبح يقود اليوم ما يمكن تسميته بـ"الموجة الاستعمارية الرابعة" في تاريخ البشرية، لقد انطلقت الموجة الاستعمارية الأولى مع الحملات الصليبية التي أرسلتها أوروبا ابتداءً من القرن الحادي عشر وتحت مُسمَّى "تحرير الأماكن المقدسة"، لتحرق الأخضر واليابس، وتأتي على أرواح الملايين من البشر، ثم انطلقت الموجة الاستعمارية الثانية في أواخر القرن الخامس عشر وتحت مسمى "الكشوف الجغرافية" لتسبب المزيد من البؤس والآلام للبشرية على يد مَن يصفون أنفسهم بأنهم "رواد النهضة الحديثة في العالم"!!

ثم انطلقت الموجة الاستعمارية الثالثة ابتداءً من أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر بالحملة الفرنسية على مصر ثم الجزائر، وها نحن اليوم نشهد وبقيادة زعيم "العالم الحر" جورج دبليو بوش انطلاقة الموجة الاستعمارية الرابعة.

هذه الموجة التي كان من أهم مظاهرها احتلال دولتين إسلاميتين مستقلتين هما أفغانستان والعراق احتلالاً عسكريًّا مباشرًا، ثم احتلال دولة ثالثة هي الصومال عن طريق عملاء إقليميين.

لقد كان بودنا أن نستقبل الضيف الكبير بالفرح والسرور لو كان قد التزم أدبيًّا وإنسانيًّا بالأعباء الجسام والمهام الثقال التي تبوأ بها يوم بدأ رئاسته للولايات المتحدة، بوصفها زعيمة لـ"العالم الحر" ومثالاً لـ"الحرية والديمقراطية".. لو فعل والتزم بذلك لكان مصدر فخرٍ ليس للشعب الأمريكي فحسب، بل لشعوب العالم كافة!.

لقد سلك الرئيس بوش مسلكًا عدائيًّا ظالمًا تجاه العرب والمسلمين، وقاد حملة لا تخفى أبعادها الصليبية على كل ذي عقل، قاد هذه الحملة ضد أبناء دين تفتخر البشرية بمبادئه السمحة وحضارته الراقية وقيمه الإنسانية العالية، وهو الدين الإسلامي العظيم.

ليعد الرئيس بوش إلى بلاده، إذ يصعب علينا أن نتقبل زيارة رجلٍ لا تزال دماء أبناء العرب والمسلمين تنزف يوميًّا بسببه.. فهو الذي يُوفِّر كل سبل الدعم السياسي والعسكري والأدبي الدائم للكيان الصهيوني لتنفيذ جرائمه ضد الشعب الفلسطيني البطل، وهو الذي يتحمل وزر ما يعانيه شعبنا الصامد في غزة من حصارٍ همجي ظالم تحت سمع وبصر الأمم المتحدة وكل دول العالم.

ليعد بوش إلى بلاده، فبإمكانه أن يملي تعليماته على حكامنا الأشاوس عن طريق الهاتف، ويُوفِّر على شعبه تكاليف الزيارة الباهظة!!.

ليعد بوش إلى بلاده، فلسنا بحاجة إلى سماع خطبه ومواعظه عن الحرية والديمقراطية والعيش الهنيء! فنحن لم ولن ننسى أن الإدارة الأمريكية بذلت الغالي والنفيس ليحصل "النصارى" في تيمور الشرقية على "حقهم المشروع في إقامة دولتهم المستقلة".. بينما هو وأمثاله من قادة الغرب المحبين للعدالة (بمفهومها الغربي) يسدون آذانهم بالشمع الأحمر حين يتعلق الأمر بالحقوق المشروعة للشعوب المسلمة في كشمير والشيشان والتركستان الشرقية وجنوب الفلبين وفطاني وسبتة ومليلة وغيرها!.

عُد إلى بلادك أيها الرئيس الكبير، لتشرف بنفسك من هناك- ومن مكتبك البيضاوي- على سير الحياة اليومية في جوانتانامو؛ حيث عارك الأكبر وخزيك السرمدي.

ابقِ في بلادك أيها الرئيس، فهي بحاجةٍ ماسةٍ لحملاتك الصليبية ضد الإرهاب الذي قامت عليه حضارتكم في نشأتها الأولى، يوم أفنيتم الملايين من السكان الأصليين في أبشع جريمة عرفتها البشرية عبر تاريخها.. ابقِ في بلادك لتخلصها من خطر الإرهاب الذي يمارسه أمثال تيموثي مكفاي جلاد أوكلاهوما الشهير، وآلاف غيره من المجرمين والعنصريين المنخرطين في الميليشيات "الرسمية" التي تسمح قوانين بلادك بوجودهم وتمنحهم الشرعية.

عُد إلى بلادك يا "صاحب الفخامة".. فيكفيك إيذاءً لنا مشاهدتنا لك من بعيد، فلا تجعلنا نراك عن قرب!.

ليست هناك تعليقات: